إذا اختارت تونس العودة لأسواق الدين الدولية لسد احتياجاتها التمويلية، سيكون عليها إجراء إصلاحات لدعم اقتصادها المتأزم، وسط مخاوف من استمرار سياسة الاقتراض الداخلي التي تتوسع فيها السلطات حاليا، وفق محللين تحدثوا لزاوية عربي.

يعاني الاقتصاد التونسي من صعوبة في توفير التدفقات الأجنبية، فيما أوقفت السلطات المحلية في 2022 مناقشات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار بسبب موقف رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد الرافض لتنفيذ إصلاحات اقتصادية تتضمن خفض الدعم يراها الصندوق ضرورية.

وفي ظل هذه الضغوط يرى محللون أن البلاد قد تكون بحاجة للعودة لأسواق الدين الدولية التي انقطعت عنها منذ 2019، مما سيتطلب عدد من الإجراءات، وربما أيضا لعودة التفاوض مع صندوق النقد.

"أسواق الدين الدولية هي فرصة لتنويع مصادر التمويل ولا يجب أن نغلق هذا الباب، لأننا اليوم في حاجة إلى مصادر تمويل متنوعة حتى وان نجحت الدولة في سياسة التعويل على الذات (الاقتراض المحلي)،" حسب رضا الشكندالي، الباحث الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بجامعة قرطاج التونسية.

في 2024، حصلت الحكومة على 7 مليار دينار تونسي (نحو 2.2 مليار دولار) من البنك المركزي لتمويل عجزها المالي وكان مقدر بنحو 10.6 مليار دينار تونسي. فيما تستهدف البلاد خفض عجز الموازنة خلال 2025 إلى 9.8 مليار دينار أي 5.5% من إجمالي ناتجها المحلي من نحو 6.3% في 2024.

وذكر تقرير لوكالة فيتش أن جزء من هذا التمويل قد سدد سندات بقيمة 850 مليون يورو استحقت في فبراير 2024. فيما تمكنت تونس من جمع تمويلات خارجية بـ 2.8 مليار دولار في 8 أشهر من عام 2024، بحسب تقرير فيتش الصادر في سبتمبر 2024. وتحصل تونس على تمويلات من شركاء عرب وأوروبيين ومؤسسات تمويل.

وقد تم تمرير قانون في ديسمبر الماضي سيسمح للمركزي بتمويل موازنة 2025 بـ 7 مليار دينار تونسي أخرى.

وخلال الثلاثة أشهر الأولى من 2025 سيكون على تونس سداد نحو 9 مليار دينار من مستحقات الديون، وفق تصريحات نقلتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية الشهر الماضي عن وزيرة المالية سهام نميصة.

وكان آخر طرح في أسواق الدين الدولية قد أصدرته تونس في 2019، حين جمعت نحو 700 مليون يورو من بيع سندات لأجل 7 سنوات، بعائد  6.37%. جاء هذا الإصدار مدعوما بشريحة تلقتها من صندوق النقد الدولي بقيمة 245 مليون دولار في إطار برنامج قرض بقيمة 2.9 مليار دولار وقعته في 2016 لمدة 4 سنوات.

قروض من المركزي!

في محاولة لسداد التزاماتها في 2024، لجأت الحكومة التونسية لتمويلات خارجية، لكنها اعتمدت بشكل أساسي على الاقتراض من البنك المركزي التونسي، وهو سيناريو في سبيله للتكرار في 2025.

ورغم التوقعات بقدرة القطاع المصرفي المحلي - خاصة البنوك المملوكة للدولة والتي قد تتحمل العبء الأكبر لتوفير التمويل - على المساعدة في تلبية احتياجات التمويل السيادية، لكن وفق فيتش فهذا قد يستلزم إعادة تمويل البنك المركزي لهذه البنوك المحلية.

وقدرت فيتش أن تظل لدى تونس احتياجات تمويل مالي أعلى من 14% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2025- 2026، نتيجة العجز المستمر في الميزانية ومستحقات الديون المحلية والخارجية.

مهمة صعبة وتكلفة باهظة

اتفق ثلاثة محللون تحدثوا لزاوية عربي على ضرورة العمل على إعادة هيكلة الاقتصاد ورفع التصنيف الائتماني للاقتصاد التونسي كخطوة للعودة لأسواق الدين الدولية.

"تونس اليوم غير قادرة على الخروج لأسواق الدين الدولية، إلا في حال تحسن ترقيمها (تصنيفها) الائتماني وتحقيقها لنسب نمو اقتصادي مرتفعة،" حسب بسام النيفر محلل مالي واقتصادي ومسؤول بشركة تونسية للخدمات والاستشارات المالية لزاوية عربي.

في سبتمبر الماضي، رفعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف تونس للديون طويلة الأجل بالعملة الأجنبية من "CCC-" إلى " "CCC+، كان هذا قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتي كان يُتوقع أن تعود البلاد لمفاوضاتها مع الصندوق عقب إجراؤها، لكن بعد إعادة انتخاب الرئيس التونسي قيس سعيد في أكتوبر الماضي لا يبدو أن ذلك سيحدث.

ورهن معز حديدان، محلل مالي واقتصادي ومدير شركة تونسية للدراسات والاستشارات في أسواق المال، خروج تونس لأسواق الدين الدولية بـ "ترفيع تصنيفها بثلاث درجات لتصل عند (B+) من قبل فيتش".

وبينما اتفق المحللون على أهمية الخروج لأسواق الدين، لكن وجدوا هذا صعب من حيث القدرة والتكلفة. قال النيفر إن الوصول لهذه الأسواق يحتاج لتحسين مؤشرات الاقتصاد وهذا "يتطلب وقت طويل".

ومع ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد في ظل التصنيف الائتماني المتدني، فهذا "يجعل تكلفة الاقتراض المحتملة باهظة، مع توقع نسب فائدة مرتفعة جدا،" حسب رانيا جول، محللة أولى لأسواق المال في XS.com للتداول العالمية والتي لها مكاتب وتراخيص في عدة دول لزاوية عربي.

إصلاحات أو عودة للصندوق

لتمويل احتياجات تونس المالية، وضع المحللون سيناريوهين أمام الحكومة، إما أن تنفذ إصلاحات تمكنها من العودة لأسواق الدين الدولية، أو ستعود خطوات للوراء لتتحدث مجددا مع صندوق النقد الدولي.

"للعودة إلى الأسواق الدولية، تحتاج تونس إلى تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الهيكلية،" وفق جول.

وفندت جول هذه الإصلاحات المطلوبة، إلى محاور أساسية تتضمن: ترشيد الإنفاق الحكومي وتحسين تحصيل الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين مناخ الاستثمار.

"كما يتطلب الأمر خفض الدعم الحكومي وتقليل قيمة العملة المحلية بشكل مدروس،" وفق جول.

لكن مع توقعات تمسك الحكومة برفض الإقدام على أي إصلاحات في نظام الدعم، فضل النيفر التركيز على الإصلاحات المتعلقة بجذب الاستثمارات الخارجية و"المحافظة قدر الإمكان على مردودية قطاع السياحة وتحويلات المغتربين التونسيين في الخارج".

ارتفعت إيرادات السياحة لدى تونس خلال 2024، بحسب المركزي التونسي، بنسبة 8.7% إلى 7.5 مليار دينار من 6.9 مليار دينار خلال العام 2023.

فيما ارتفعت تحويلات المغتربين في الخارج بنسبة 5.2% إلى 8.1 مليار دينار، بحسب نفس التحديث،  من 7.7 مليار دينار في الفترة المقارنة.

أما بشأن الاقتصاد الكلي، فتتوقع الحكومة التونسية، أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من نحو 1.6% في 2024 إلى نحو 3.2% في 2025، وهذه التقديرات للعام الجديد أعلى كثيرا من توقعات صندوق النقد الدولي عند 1.6%.

"تتوقف توقعات النمو هذه على مخاطر سلبية كبيرة تتعلق بظروف التمويل الخارجي.. وتيرة الإصلاحات المالية والإصلاحات المؤيدة للاقتصاد الحر،" وفق جول.

هذه التحديات، قد تدفع إلى ضرورة أن تعيد تونس التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وفق الشكندالي.

 فيما اعتبرت جول استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هو: "الخطوة الأولى والحاسمة لاستعادة ثقة المستثمرين الدوليين وتحسين التصنيف الائتماني للبلاد، مما سيمهد الطريق للعودة إلى أسواق الدين العالمية بشروط أفضل".

 

(إعداد: وفاء بن موسى، تحرير: شيماء حفظي، مراجعة قبل النشر: ياسمين صالح، للتواصل: zawya.arabic@lseg.com)

#تحليلمطول

للاشتراك في تقريرنا الأسبوعي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا