PHOTO
هناك شبه إجماع في أوساط المحللين والمستثمرين على حد السواء على أن الفيدرالي الأمريكي سيقدم على رفع الكوريدور بواقع 25 نقطة أساس إلى نطاق 5.25% - 5.50% في اجتماع 26 يوليو المقبل.
ففي آخر استطلاع أجرته رويترز لـ 106 محلل اقتصادي، أجمع الجميع على التحرك الوارد أعلاه كما أجمع الجميع على أن تقييد السياسة النقدية هذا الشهر سيكون الأخير منذ بدأ الفيدرالي محاربة التضخم في 2022.
وإذا نظرنا إلى ثلاث مؤشرات مرتبطة بأسواق المال والتي تُعرف بأنها مؤشرات استباقية أو leading indicators، سنجدها مُجمعة أيضا على اقتراب انتهاء الدورة التشددية الحالية كما هو مفصل أدناه:
أولا، مؤشر الـ S&P500 ارتفع بما يقارب الـ 25% منذ اندلاع أزمة المصارف الإقليمية في الولايات المتحدة في مارس 2023. وهذا الارتفاع كان مدفوع إلى حد كبير بتوقع المستثمرين تباطؤ وتيرة تشديد السياسة النقدية حتى لا يؤثر التشديد الحاد على صلابة القطاع المصرفي.
ثانيا، يظهر عقد الـ 30 يوم Fed Funds Futures المتداول على بورصة شيكاغو رفع الفائدة بواقع 25 نقطة أساس هذا الشهر ثم استقرارها إلى آخر العام قبل البدء في خفضها تدريجيا العام المقبل.
فالعقد الذي يستحق التسوية في آخر أغسطس يتداول عند مستوى 94.68 نقطة، وهو ما يعني أن متوسط سعر الإقراض ما بين البنوك خلال شهر أغسطس سيقارب الـ 5.32% - و هو قرب الحد الأدنى من الكوريدور المتوقع - لأن قيمة العقد ما هي إلا 100 ناقص سعر الإقراض ما بين البنوك و الذي يتراوح فعليا قرب الحد الأدنى للكوريدور نظرا لارتفاع مستويات السيولة في البنوك.
ثالثا، المؤشر الأكثر أهمية - نظرا لقدرته التاريخية على التنبؤ بخطوات الفيدرالي - هو الفارق بين العائد على سندات الخزانة الأمريكية استحقاق 10 سنوات والعائد على سندات الحكومة الأمريكية استحقاق السنتين ويعرف هذا الفارق ب 2-10 spread.
فإذا ما كان الفارق بالسالب - أي أن العائد على سندات الـ 10 سنوات أقل من العائد على سندات العامين - أظهر هذا الفارق توقع المستثمرين بانخفاض معدلات التضخم والفائدة في المستقبل.
ولكن الفارق ليس فقط بالسالب بل عند أعلى مستوى له منذ عام 1981 عندما كان المحافظ الأكثر شهرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية
Paul Volcker في أواخر حربه الشرسة ضد التضخم والتي انتهت بثاني أسوأ ركود اقتصادي في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية منذ الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن الماضي.مبررات الرفع القادم
أولا، ما زال الفيدرالي قلق من قوة سوق العمل الأمريكي مما يعني قوة المستهلك والذي يمثل حوالي 80% من الإنفاق الكلي في الولايات المتحدة الأمريكية. فمعدلات البطالة ما زالت منخفضة جدا عند مستوى الـ 3.6% مقارنة بمتوسط تاريخي لمعدل بطالة يقارب الـ5%.
ثانيا، لسوء حظ الفيدرالي مع بدء انحسار معدلات التضخم السنوي في المدن الأمريكية إلى مستوى الـ 3% في شهر يونيو الماضي بسبب انخفاض أسعار الطاقة والغذاء، إلا أن أسعار الطاقة والغذاء بدأت في الارتفاع مرة أخرى خلال هذا الشهر نتيجة اشتعال الصراع في ميناء أوديسا في أوكرانيا بالتوازي مع عدم رغبة روسيا تجديد التزامها بصفقة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود بالتعاون مع أوكرانيا وتركيا.
وقد تصاعدت المعارك هذا الأسبوع في أوديسا، الواقعة على البحر الأسود جنوب أوكرانيا، بعد هجوم روسي على منشأة تتبع مرفأ قرب أوديسا والذي أدى إلى تدمير مخزن للحبوب هناك. بينما ردت كييف بهجوم على موسكو بطائرتين مسيرتين استطاعت روسيا إيقافهما بدون إصابات.
أسعار النفط والقمح
أسعار برنت ارتفعت بحوالي 15% خلال الـ4 أسابيع الماضية إلى ما يقارب الـ 83 دولار للبرميل كما ارتفعت أسعار القمح الأمريكي بحوالي 20% خلال نفس الفترة إلى ما يقارب الـ 280 دولار للطن.
ونظرا لاحتدام وتيرة الصراع، فلم يعد من اليسير توقع حركة أسعار السلع العالمية خلال الأشهر القليلة القادمة خاصة أن ظاهرة النينو أثرت بالسلب على بعض المحاصيل الزراعية في دول آسيا خاصة محصول السكر و الذي يتداول قرب ثاني أعلى سعر له تاريخيا. وظاهرة النينو ترمز لارتفاع درجة الحرارة في المحيط الهادئ وتنتقل بين القارات عبره وهي ليست بجديدة ومن المتوقع أن تنتقل بشكل أكبر في الفترات القادمة إلى الأرض التي تزداد درجة حرارتها بالفعل بسبب التغير المناخي.
إذا، هل يضطر الفيدرالي للرفع مرة أخرى خلال ما تبقى من العام بالرغم من إجماع المحللين والبيانات على غير ذلك؟
كل المؤشرات والتوقعات تشير إلى أن تحرك الفيدرالي هذا الشهر هو الأخير. ولكني أعتقد أن هناك احتمال - حتى لو كان ضعيف - إلى رفع آخر خلال الربع الأخير من العام إذا ما تفاقمت أزمة الصراع في البحر الأسود وأشعلت أسعار الغذاء والطاقة إلى مستويات قياسية مرة أخرى كما حدث في منتصف 2022.
ففي هذه الحالة قد يضطر الفيدرالي إلى انتهاج سياسة Paul Volcker في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات.
فالأوضاع العالمية التي اضطرت Volcker إلى إدخال الاقتصاد الأمريكي في ركود حاد في عام 1981/82 لا تختلف كثيرا عن أوضاع اليوم. فحرب أكتوبر 1973 و الثورة الإيرانية في 1979 أشعلت أسعار البترول في ذلك الوقت وأشعلت معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية.
في جميع الأحوال، ستُظهر أسواق المال أي تغير في توقعات المستثمرين خلال الأسبوع الحالي وقد يدعم أو ينفي هذه التوقعات تصريحات محافظ الفيدرالي بعد الاجتماع. بينما قد يحمل ما يحدث في أوديسا وتداعياته مفاجآت غير سارة خلال النصف الثاني من العام.
(إعداد: هاني جنينة، محلل اقتصادي و محاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة)
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)
#تحليلسريع
لقراءة الموضوع على أيكون، أضغط هنا
للاشتراك في تقريرنا اليومي الذي يتضمن تطورات الأخبار الاقتصادية والسياسية، سجل هنا