PHOTO
عدد سكان كبير وينمو .. عدد وظائف قليل ولا يتناسب مع عدد خريجي الجامعات .. أضف إلى ذلك أسعار فائدة منخفضة عالمياً وبالتالي تكلفة استثمار بديلة تقارب الصفر، هي وصفة لتكاثر الشركات الناشئة كل عام في كل قطاع، مثلما حدث في مصر. ولكن تلك الشركات الناشئة التي تم تسميتها "مُربكات" (disruptors باللغة الإنجليزية) بدلاً من إرباك القطاعات التي تستهدفها (أي ابتكار قواعد تنافسية جديدة للقطاعات) قد يصيبها هي نفسها الارتباك في طور نشأتها.
ومؤخراً بدأت تظهر معاناة بعض تلك الشركات في مصر، مثل شركة كابيتر المتخصصة في التجارة والخدمات المالية والتي تعثرت بعد عامين فقط من تأسيسها.
فما سبب هذا الارتباك؟ وهل هذا الارتباك طبيعي؟ وهل يمكن تفاديه؟ أم أننا أمام فقاعة قد تشبه فقاعة الدوت كوم التي مر بها قطاع التكنولوجيا في أوائل هذا القرن؟
الشركات الناشئة واحتمالات النجاح أو الفشل
عند الحديث عن الشركات الناشئة هذه الأيام، أول ما يتبادر إلى الأذهان هو أن تلك الشركات تعتمد بشكل ما على التكنولوجيا في نماذج أعمالها، فبالرغم من تنوع القطاعات التي تستهدفها تلك الشركات إلا أن معظمها مقدم خدمات أكثر منها منتج سلع. ولكن تعريف الشركة الناشئة (start-up) هي الشركات حديثة النشأة التي تعتمد على فكرة ريادية إبداعية ويتم تأسيسها بواسطة رائد أعمال أو مجموعة بهدف تطوير منتَج أو تقديم خدمة مميزة لإطلاقها في السوق.
ولكن كأي نموذج أعمال، هناك احتمالات للنمو والنجاح بسرعة وهناك أيضاً احتمالات للانكماش والفشل والتي عادةً ما تكون مرتفعة في المرحلة الأولى من عمر الشركة ثم تنخفض مع تحول الشركة من مرحلة "حرق النقدية" (cash burn) — حيث تتضاعف الخسائر التشغيلية — إلى مرحلة توليد تدفقات نقدية موجبة وإلا استمرت الشركة في الاعتماد على المساهمين والمقرضين لفترة قد تطول وهو ما قد يضع نموذج الأعمال في مأزق.
المُربكات والقطاعات المستهدفة في مصر
في مصر، عدد الشركات الناشئة التي يمكن أن نطلق عليها "مُربكات" بلغ 562 شركة بنهاية الربع الثالث من عام 2021 حسب تقرير Disrupt Africa. وشهد عام 2019 أعلى عدد من الشركات الناشئة التي تم تأسيسها في عام ليبلغ 131 شركة. وتخصص حوالي خُمس الشركات أو تقريباً 20% منها في قطاع التجارة الإلكترونية وتكنولوجيا التجزئة كأكبر قطاع من حيث عدد الشركات الناشئة. تلاه قطاع التكنولوجيا المالية بـ 12% ثم قطاع الصحة الإلكترونية بـ 9% وقطاع التكنولوجيا التعليمية بـ 7%. وتنوعت القطاعات الأخرى ما بين اللوجستيات والنقل والسفر إلى التكنولوجيا العقارية والزراعية. وحسب التقرير، احتلت شركة سويفل بقطاع النقل المرتبة الأولى من حيث عدد الموظفين بحوالي 700 موظف تلاها شركة نجوى بقطاع التعليم بحوالي 550 موظف. ولكن علمنا مؤخراً أن عدد موظفي شركة مثل كابيتر ارتفع خلال عامين فقط إلى 2000 موظف، مما يعني أن أحد أهم إيجابيات تلك الشركات الناشئة وخصوصاً المُربكة منها هي خلق وظائف عمل لشباب الخريجين الذين يراهنون بدورهم على نجاح أو فشل تلك الشركات.
عوامل فشل المُربكات
دعونا نلقي نظرة على شركة كابيتر التي تم تأسيسها بواسطة أخين مصريين أحدهما كان من مؤسسي شركة سويفل ثم تخارج منها. قصة الشركتين متشابهتين في بعض النقاط ومختلفة في البعض الآخر.
على جانب، انخفضت القيمة السوقية لشركة سويفل بأكثر من 85% في أقل من ستة أشهر بعد إدراجها بسوق ناسداك بالولايات المتحدة بسبب إخفاقها في تحقيق الأرقام التي استهدفتها الشركة من حيث التدفقات النقدية وهو ما استدعى طلب تمويل إضافي في صورة أسهم جديدة مؤخراً.
ولكن بالنسبة لشركة كابيتر، فهي ليست مدرجة بأي بورصة ولكن بالرغم من ضخ 33 مليون دولار فيها، إلا أن التزامات الشركة فاقت حجم أصولها بما يعني أن حقوق المساهمين بالسالب، وهو نفس حال شركة سويفل التي بلغت حقوق مساهميها سالب 24 مليون دولار. فهناك عوامل قد تكون داخلية أو خارجية تؤدي إلى فشل الشركات الناشئة، مثل:
داخلية:
عدم اهتمام المؤسسين رواد الأعمال بالشركة وانشغالهم بأولويات أخرى.
عدم الالتزام من جانب المؤسسين بخطة العمل المتفق عليها.
عدم التزام المساهمين بضخ استثمارات جديدة في الشركة وقت الحاجة إليها.
عدم تحقيق الأرقام المستهدفة مما قد يتسبب في فقدان المساهمين للثقة في نجاح نموذج أعمال الشركة.
خارجية:
الظروف الاقتصادية المحلية داخل الدولة التي تعمل بها الشركة مثل ارتفاع معدل التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.
تغير التشريعات المنظمة للقطاع المستهدف مما يجعل نموذج الأعمال غير مناسب.
ارتفاع تكلفة التمويل مثل ارتفاع أسعار الفائدة بالسوق كما هو الحال الآن مما قد يرفع من تكلفة الأموال.
حدة المنافسة في السوق المستهدفة مثل ظهور منافسين جدد.
تكالب اللاعبين الحاليين بالسوق للضرر بالشركة الناشئة وخصوصاً إذا كان تمويلها ضئيل.
هل نحن أمام فقاعة للشركات الناشئة في مصر؟
لا شك أن ظهور مشاكل في بعض الشركات الناشئة كبيرة الحجم أو مرتفعة التمويل سيضعها جميعاً تحت المنظار. لكن المتوسط العالمي أنه من كل سبع شركات ناشئة تنجح شركة واحدة أي نسبة نجاح بحوالي 15%. لذا، فشل شركة واحدة لا يعني بالضرورة فشل هذا النوع من الشركات والتي يمكن أن يتم تصنيفها ضمن أحد فئات الأصول التي يمكن الاستثمار فيها مثل ما يسمى بالاستثمارات البديلة (alternative investments) ولكن لكل استثمار مخاطره.
ولكي تتم إدارة هذه المخاطر، ينصح بوجود رقابة داخلية قوية أو حوكمة فعالة داخل الشركات الناشئة تعمل بشكل محايد بين المؤسسين رواد الأعمال والمساهمين أصحاب المال لمراقبة طرق وتوقيتات صرف هذه الأموال. بالفعل، بلغ إجمالي التمويلات للشركات الناشئة في مصر من عام 2015 حتى الربع الثالث من عام 2021 حوالي 800 مليون دولار بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 90%. وذلك دليل على أن الشركات الناشئة قد تكون أحد مصادر العملة الأجنبية للدول مما يستوجب تنظيمها بشكل لا يبطئ من أعمال تلك الشركات.
(إعداد: عمرو حسين الألفي، المحلل المالي بزاوية عربي ورئيس قسم البحوث في شركة برايم لتداول الأوراق المالية في مصر وهو حاصل على شهادة المحلل المالي المعتمد "CFA")
( للتواصل zawya.arabic@lseg.com)
#مقالرأي